اسمه الميلادى عبد الفتاح عبد المقصود ولما عرفناه كان اسمه الذى يطلق عليه مقرونا بالمجنون وقد استحب هذا اللقب المقرون بهذه الصفة لغرض فى نفسه حتى لا يحاسب على اى فعل اهوج او تصرف احمق وكان يقول لى اثناء تحاورى معه انه كان فى طفولته وصباه يتضور من الجوع ، والروض مغّن غامر يهتز نضرة وينثنى نعمة وريّا، ، وتحترق من سعار القحط أكباد ، والارض ممرعة خصباء، وكان يتمتم فى عز فقره قائلا لو تناصب الناس فُأخذ من الغنى حق الفقير واسُتنقذت الكنوز من خزائن البخلاء فاى خير يعم الارجاء ، ويجلل الانحاء ويفرح الاجواء
عرفته عندما شب عن طوق الشباب وطوق الفقر والعوز معا فى زمانه ..... كان وسيما جذابا ملامح وجهه متناسقة كان دائم الابتسام عن ثغر منضد وضاح ، متلألئ العينين ، لا ينفك يرسل الألحاظ فى كل وجهة وناحية ، منصوب الأذنين كأنه يتسمع فى الهواء اصواتا غابت عم مسامع الغير ، مروع الحركات ، مستوفر الحواس ،كان مشرقا فى طلعته وطللته ، ولم تتعود عينى وقتها ان ترى ذقنه وهى تحمل او تتحمل لحية طويله كحاله الآن، ولم اكن اراه الا حليق الذقن لامع الوجنتين، وكان وقتها قد تخطى الثلاثين من عمره ، دون ان ينبه ذكره ، ويتألق نجمه .
وكما علمت منه وخابرته فقد كان حظه من التعليم معدوما ،فقد كان هاويا لعلاج ما اتلف من الاحذيه وكان يذهب الى احدى الورش المتواضعة فى بلدته لممارسة هذه الهواية هاربا من مجالس العلم ولم يخرج مما التحق به الا جاهلا بالقراءة والكتابه، وقد طوف مبكرا بابواب العمل يطرقها فاقصته كما اقصته ابواب العلم
غادر بلدته مطرودا مقهورا نازحا بكل ثقله الفارغ الى العاصمة القاهرة المظلومة المضيافة للقاصى والدانى ، للريفى والمدنى ، للمتعلم والجاهل ، للذى يعمل والذى لا يعمل ، للذى يعلم والذى لا يعلم
واختار حجرة بالطبقه الارضية غصبا وقهرا فى مبنى قديم فى احدى البيوت المعششة المهمشة فى ضواحى حى باب الشعرية ، ليس فيها بصيص من نهار يضيئها سوى مصباح شحيح عكر
وعرض على صاحبة منزله مشاركته وتقوم بشراء ماكينه لخياطة الاحذية والحقائب والمكان فى مدخل المنزل الخارجى هى بمالها وهو بمهنته على ان يتقاسما الدخل فاسرعت بالايجاب والتنفيذ
واشتهر صاحبنا واهلته شهرته التى أسالت العملة بين يديه بان يترك شريكته ويستقل بايجار ورشة تصلح لعمله واقامته ، وبعد وقت قصير من خلعه شريكته خلع ايضا من مهنة اصلاح الاحذيه الى انتاجها ومن انتاجها الى تصديرها ومن تصديرها الى الاتجاه الى الاستيراد ، فاستورد الجلود الصناعية وكان مالكا لزمام تواجدها فى الاسواق والتحكم فى سعرها
ولم تبخل خزائنه عليه فى انشاء مصنع لانتاج الجلود الصناعية اللازمة لانتاج الاحذية والاحزمة والحقائب بجميع انواعها واغراضها
هكذا الى ان صار حسابه فى البنوك ثقيلا ، ولا يملك فى تصديقه الا بصمته ولما حاول احد محاسبى البنك مناغشته بسؤاله بخبث
عما يكون حاله لوكان ملما بالعلم فكيف ستكون مقدار ثروته وتضخمها، فكان يرد بطريقة اكثرخبثا بانه لو لم يطرد من الاعمال التى كان يتقدم اليها واستمر فيها لسعى اليه الفقر كما سعى على امثال هذا المحاسب وسعى اليه الموت اخيرا وهو يعانى من الفقر الذى يعانى منه هذا المحاسب
واراد ذاك المجنون بذكائه الحاد ان يجمع بين كثرة المال وكثرة النساء، فكثرة المال لا تُحْلى الا بكثرة العيال ، وكما يقول لا يحلو القرش الا بكثرة الكرش ، فكان له اكثر من زوجه واكثر من عيّل
غادر بعدها حى باب الشعرية وانقطعت اواصر الصلة الى ان استدعانى يوما فاسرعت اليه ملبيا يغلبنى الفضول لمعرفة ما وصل اليه حاله
دخلت اليه فلم اجد الحاج عبده المجنون ولا العاقل حطام رجل انهكه المرض والتعب والكدر والهم والغم والكرب العظيم وهو جالس على مصطبه تشبه التى تركها فى بلدته ولما سألته فى بداية لقائى كيف تترك الوثر وتجلس على الحجر اجابنى
" احمد الله اننى ذقت طعم الفقر ومن ذاق طعم الفقر يعيش فى فقر دائم "، الا تعلم يا اخى ان حكومة العهد البائد قد صادرت كل ما املك لحقدها الدفين على رجال الاعمال ، مدعية عدم ثبوت المصدر واتخذت لحيتى الطويلة سببا فى حصولى على تمويل خارجى من مصادر اجنبيه لتدريب الثوار ضد نظام الحكم حيث كنت اتردد على العديد من الجوامع واخوى الشيوخ واساعد اصحاب اللحى المهتدين المحتاجين الصامدين المنتظرين انفراج ازماتهم واحوالهم الدينية والدنيوية
وتذكرت حينها الامام الشافعى وهو يقول فى جنون المجنون
الفاروق
عرفته عندما شب عن طوق الشباب وطوق الفقر والعوز معا فى زمانه ..... كان وسيما جذابا ملامح وجهه متناسقة كان دائم الابتسام عن ثغر منضد وضاح ، متلألئ العينين ، لا ينفك يرسل الألحاظ فى كل وجهة وناحية ، منصوب الأذنين كأنه يتسمع فى الهواء اصواتا غابت عم مسامع الغير ، مروع الحركات ، مستوفر الحواس ،كان مشرقا فى طلعته وطللته ، ولم تتعود عينى وقتها ان ترى ذقنه وهى تحمل او تتحمل لحية طويله كحاله الآن، ولم اكن اراه الا حليق الذقن لامع الوجنتين، وكان وقتها قد تخطى الثلاثين من عمره ، دون ان ينبه ذكره ، ويتألق نجمه .
وكما علمت منه وخابرته فقد كان حظه من التعليم معدوما ،فقد كان هاويا لعلاج ما اتلف من الاحذيه وكان يذهب الى احدى الورش المتواضعة فى بلدته لممارسة هذه الهواية هاربا من مجالس العلم ولم يخرج مما التحق به الا جاهلا بالقراءة والكتابه، وقد طوف مبكرا بابواب العمل يطرقها فاقصته كما اقصته ابواب العلم
غادر بلدته مطرودا مقهورا نازحا بكل ثقله الفارغ الى العاصمة القاهرة المظلومة المضيافة للقاصى والدانى ، للريفى والمدنى ، للمتعلم والجاهل ، للذى يعمل والذى لا يعمل ، للذى يعلم والذى لا يعلم
واختار حجرة بالطبقه الارضية غصبا وقهرا فى مبنى قديم فى احدى البيوت المعششة المهمشة فى ضواحى حى باب الشعرية ، ليس فيها بصيص من نهار يضيئها سوى مصباح شحيح عكر
وعرض على صاحبة منزله مشاركته وتقوم بشراء ماكينه لخياطة الاحذية والحقائب والمكان فى مدخل المنزل الخارجى هى بمالها وهو بمهنته على ان يتقاسما الدخل فاسرعت بالايجاب والتنفيذ
واشتهر صاحبنا واهلته شهرته التى أسالت العملة بين يديه بان يترك شريكته ويستقل بايجار ورشة تصلح لعمله واقامته ، وبعد وقت قصير من خلعه شريكته خلع ايضا من مهنة اصلاح الاحذيه الى انتاجها ومن انتاجها الى تصديرها ومن تصديرها الى الاتجاه الى الاستيراد ، فاستورد الجلود الصناعية وكان مالكا لزمام تواجدها فى الاسواق والتحكم فى سعرها
ولم تبخل خزائنه عليه فى انشاء مصنع لانتاج الجلود الصناعية اللازمة لانتاج الاحذية والاحزمة والحقائب بجميع انواعها واغراضها
هكذا الى ان صار حسابه فى البنوك ثقيلا ، ولا يملك فى تصديقه الا بصمته ولما حاول احد محاسبى البنك مناغشته بسؤاله بخبث
عما يكون حاله لوكان ملما بالعلم فكيف ستكون مقدار ثروته وتضخمها، فكان يرد بطريقة اكثرخبثا بانه لو لم يطرد من الاعمال التى كان يتقدم اليها واستمر فيها لسعى اليه الفقر كما سعى على امثال هذا المحاسب وسعى اليه الموت اخيرا وهو يعانى من الفقر الذى يعانى منه هذا المحاسب
واراد ذاك المجنون بذكائه الحاد ان يجمع بين كثرة المال وكثرة النساء، فكثرة المال لا تُحْلى الا بكثرة العيال ، وكما يقول لا يحلو القرش الا بكثرة الكرش ، فكان له اكثر من زوجه واكثر من عيّل
غادر بعدها حى باب الشعرية وانقطعت اواصر الصلة الى ان استدعانى يوما فاسرعت اليه ملبيا يغلبنى الفضول لمعرفة ما وصل اليه حاله
دخلت اليه فلم اجد الحاج عبده المجنون ولا العاقل حطام رجل انهكه المرض والتعب والكدر والهم والغم والكرب العظيم وهو جالس على مصطبه تشبه التى تركها فى بلدته ولما سألته فى بداية لقائى كيف تترك الوثر وتجلس على الحجر اجابنى
" احمد الله اننى ذقت طعم الفقر ومن ذاق طعم الفقر يعيش فى فقر دائم "، الا تعلم يا اخى ان حكومة العهد البائد قد صادرت كل ما املك لحقدها الدفين على رجال الاعمال ، مدعية عدم ثبوت المصدر واتخذت لحيتى الطويلة سببا فى حصولى على تمويل خارجى من مصادر اجنبيه لتدريب الثوار ضد نظام الحكم حيث كنت اتردد على العديد من الجوامع واخوى الشيوخ واساعد اصحاب اللحى المهتدين المحتاجين الصامدين المنتظرين انفراج ازماتهم واحوالهم الدينية والدنيوية
وتذكرت حينها الامام الشافعى وهو يقول فى جنون المجنون
اذا شئت ان تحيا غنيا فلا تكن
على حالة الا رضيت بدونهــــــــا
تحكما فاستطالوا فى تحكمهـــم
عما قليل كأن الأمر لم يكـــــــــن
تمــــــتالفاروق